أحاول جاهدة أن أكون من أولئك الذين يوقدون الشموع !
لكني أجد نفسي رغما عني ألعن الظلام.. وألعن الظلام.. وأزيد في اللعن !!
لقد أطال البقاء.. واشتقت أنا للنور.. ولوطن النهار!!!

صباح الحب.. مساء الروعة

نهــاية مــلاك..

ملاك ابنة الخمس عشرة ربيعا، طفلة لأبوين جامعيين، أختا كبرى لثلاث إخوة صغار، وطالبة في الصف العاشر في المدرسة التي - كنت - أُدرّس بها.

ملاك نموذج للطالبة المثالية، مرحة، اجتماعية، ذكية، ومجتهدة. استطاعت في غضون أشهر أن تتميز بين زميلاتها، وأن تأسر قلوب معلماتها. كانت قمة في الطيبة فلا ترد أحدا، وقمة في الخجل فلا تطيل النظر، وقمة في الحياء فلا تسمع لضحكتها همسا. كانت من الروعة بحيث تتسابق الفتيات على صحبتها، وتحرص المعلمات على إشراكها في الأنشطة.

ملاك التي تستقبل صديقاتها صباحا بعناق وتودعهم بعناق، اختارت أن تموت أيضا بعناق!!

لا أدري كيف لفتاة بهذا الجمال، أن تفكر في صنع عقد من حبال قاسية بيديها الناعمتين، لتطوق به رقبتها الحنون !! لا ادري كيف تنجح في مواجهة برودة الموت وقسوة الشتاء وحيدة !! لا أدري أي ذكرى توقف عندها شريط حياتها !! وأي ابتسامة ارتسمت شفتيها حينها !!

ملاك، مهما أحاول تصور ما حصل لها، وما انتهت إليه ملامحها عندها، لا استطيع رؤيتها إلا تبتسم..! كما كانت دوما..!!

هل تعلم ..
كم من الجنون تحتاج لتفكر بارتكاب حماقة ؟
وكم من الحماقة تمتلك لتعقد كتلك العقدة ؟
وكم من اليأس لتحيط بها رقبتك ؟
وكم من التيه فلا تتراجع ؟
وكم من الانهيار لتقدم على الانتحار ؟

كيف لم نلحظ كل هذا؟ أين كنا ؟!
من المذنب؟ ومن المقصر ؟ ومن المسئول؟

بل .. كم ملاكا نعرف ؟!
كم ملاكا ستصافحها يدي ؟ وتصافحها يدك ؟ ونبادلها الحديث والضحكات ؟
كم ملاكا تعاني بصمت ؟ وكم ملاكا سنفقد كل عام ؟!



حريق العيون !


جلود تحترق تئن، أصوات تتعالى تتوعد، وحبل مشنقة يتدلى بانتظار (زوجة وأم) في الثالثة والعشرين.!

ماذا بعد النطق بالحكم؟ وماذا بعد القصاص..؟
هل ترتاح الأفئدة وتستكين الأرواح؟ هل نعود نزاول الحياة كما كنا؟ وهل هي كفيلة أيامنا المقبلة بطي الحدث ذاكرة النسيان؟ لا أظن..!!
هل نبدأ رحلة الندم وتأنيب الضمير؟ هل نستشعر مسئوليتنا تجاه ما حدث و ما قد يحدث؟ وهل نتعظ ؟ ربما..!!
هل ننتظر أن تحيطنا ألسنة النيران في دارنا حتى نقر بوجود المشكلة؟ نعم..! وهل يفيد ساعتها الندم؟!


أي ربيع يشهده "أسرى العيون"..؟!


فرح في ربيعها السابع عشر، أسيرة الحدث، رؤيتها لوالدتها تحترق بينما تدفعها لتنجو.. أفقدها النطق..!
سارة في ربيعها العشرين، أسيرة الأمس، لا تصدق أنها فقدت ثلاث شقيقات في آن واحد.. حتى اللحظة..!
أحمد في ربيعه التاسع، أسير الصدمة، لا يزال يجلس في نفس المكان الذي انزل أمه فيه.. بانتظار أن تعود.!
أبو نوف في عامه الخمسين أسير القدر، فقد زوجته وابنته الوحيدة في يوم واحد.. وفقد بصره..!


لمن نشير بأصابع الاتهام..؟!


لا يكفي أن نأخذ بالقصاص من المتهمة الزوجة. ولا يكفي أن نزج بالمتهم الزوج بداخل السجن. وأصابع الاتهام لا تقبل أن تقف عندهما فقط.
هناك أيادي خفية كانت السبب الرئيس في إشعال نار الحقد. وهناك من كان يستمتع بالعبث في عقل الزوجة الغيور، وهناك من سهل الطريق للانتقام..!
لو لم يكن الحدث بهذا الحجم، ولو تمكن أهل الدار من إطفاء النار قبل أن تلتهم الخيمة بزائريها، لما تمكن الجميع من رؤية الكارثة بوضوح..! أليس كذلك..؟!


سمعت أحدهم يقول مستنكرا ردة فعل الزوجة: ليس الزوج بأول من يتزوج للمرة الثانية، وهناك من تزوج ثلاث وأربع..


- نعم ليس بأول ولا بآخر رجل أيضا، ولكن هل تعي مقدار الألم والمعاناة التي تقاسيهم الزوجة..؟!


زيجات كثيرة تسبب الأهل والمقربون في دمارها..! وبيوت كثيرة كان للسحر وللسحرة يد في خرابها..!  وقلوب كثيرة تنزف دما من جراح محب..!  لكن أصابع الاتهام لن تقف عند المتهمين الزوج والزوجة فقط..!



في وطني... المجرم رجل والضحية امرأة !





الاكتئاب حالة من الحزن تتملك المريض. تتدرج في مهاجمته والسيطرة عليه حتى تحتويه بأكمله. قد تصيبه نتيجة صدمة مفاجئة. وقد تنتج من معاناة وآلام متراكمة لفترة طويلة من الزمن. الاكتئاب (قيد) يمنع المصاب به من مزاولة حياته كما (يستحق). يفقده الشعور بالمتعة فيما كان يستمتع، يحرمه الإحساس بالحب لمن يحب، ويرديه جسدا بلا روح..!




المصاب بالاكتئاب بمشاعره الباردة و تعبيره الجامد يبدو لمن حوله كتمثال شمع بقلب من حجر..! هو قادر على فعل أي شيء وكل شيء، لا وجود للصح أو الخطأ عنده، ولا للحلال أو الحرام. لا يعمل حسابا لأحد، ولا اعتبارا لأي كان. يتساوى عنده الليل والنهار، النور والظلمة. وينعدم إحساسه بالزمن..!


أسوأ ما بالاكتئاب..! أن المريض به يملك عقلا مع وقف التنفيذ..! وقلبا مع وقف التنفيذ أيضا..! وروحا قيد الاشتعال..!


وأقسى ما فيه أن المريض به ضحية أسرة ومجتمع وظروف.. لكنه أمام القضاء مجرم مع سبق الإصرار..!


في وطني..
يضرب الرجل زوجته أمام أبنائها فيقال عنه غاضب..!
وترد ابنته له الطعنه في لحظة غضب ممزوجة بالخوف دفاعا عن أمها فتزج بالسجن..!


في وطني..
يتزوج الرجل من أخرى بحجة أن الأولى أهملت نفسها وأهملته..! ويتزوج من الثالثة لأنه رجل ويشتهي..! ويتزوج من الرابعة لأن الشرع أحل له..! وحين تستاء إحداهن وتشعر بالجرح يشار إليها بناقصة عقل..!


في وطني..
قتلت زوجة زوجها..! وأحرقت أخرى خيمة العرس بمن فيها ليلة زفافه على غيرها..! وطعنت ابنة والدها..!


في وطني..
المجرم رجل.. والضحية امرأة.. وحبل المشنقة مصيرها..!


في وطني..
الدين للرجال.. والعرف للرجال.. والقانون أيضا..!